رجعت الدارة بالذاكرة لأكثر من 133 عامًا عبر توثيق لأقدم تسجيل صوتي لتلاوة من القرآن الكريم في الحرم المكي الشريف بمكة المكرمة، والذي أجرى تسجيله المستشرق الهولندي المسلم الدكتور كريستيان سنوك هورخرونيه عام 1302هـ الموافق 1885م، حيث مازالت جامعة لايدن بهولندا محتفظة بهذا الإرث التوثيقي التاريخي حتى وقتنا الحاضر.
وقامت الدارة بنشر التسجيل النادر على حسابها الرسمي بـ "تويتر"، حيث تبدأ قصة التسجيل، عندما زار المستشرق الهولندي المسلم الدكتور كريستيان سنوك هورخرونيه، مكة المكرمة عام 1302هـ / 1885م وذلك بواسطة أسطوانات الشمع والتي اخترعها توماس أديسون في وقت قريب من هذا التاريخ.
وولد هورخرونيه الباحث في ثقافة ولغات الشعوب الشرقية، في أوسترهاوت في عام 1857م، والتحق بجامعة لايدن بهولندا في تخصص الدراسات الدينية في عام 1874م، ثم كرس نفسه بعد ذلك لدراسة اللغات والآداب السامية، وحصل على الدكتوراه من جامعة لايدن في عام 1880م، وكان موضوع أطروحته البحثية "الحج عند المسلمين وأهمية الدين الإسلامي"، وأصبح أستاذًا ومحاضرًا في جامعة لايدن في عام 1881م، حيث كان طليقًا في اللغة العربية الفصحى ومتقنًا للغة الآتشيه.
واسترسلت الدارة في الحديث عن المستشرق هورخرونيه الذي أصبح في عام 1888م عضوًا في الأكاديمية الملكية الهولندية للفنون والعلوم، ثم أصبح في عام 1889م أستاذًا لعائلة اللغات الملايوبولينيزية التي تضم عدة لغات مثل الإندونيسية والماليزية والآتشيه في جامعة لايدن ومستشارًا للحكومة الهولندية في شؤون السكان الأصليين، وانتقل في عام 1891م إلى العمل في إندونيسيا لخدمة الاستعمار الهولندي حيث عمل مستشارًا لإدارة المستعمرات، ومستشارًا في شؤون الشعوب في الحكومة الاستعمارية في الهند الشرقية الهولندية "إندونيسيا الآن".
ورصدت الدارة رحلته إلى مكة الكرمة بهدف دراسة الإسلام واللغة العربية عن قرب بعيدًا عن آراء الآخرين من المستشرقين حتى يكون رؤيته الخاصة، ومعرفة كيف يؤثر الحج في الحجاج الإندونيسيين حيث إنهم بعد الحج يرجعون ثائرين على الاستعمار، وفور قدومه أقام في جدة عام1884م سبعة أشهر وأتقن اللهجة المحلية فيها، وقابل قاضي جدة، الشيخ إسماعيل آغا، وأخبره برغبته الدخول في الإسلام طمعًا في نيل رضاه لدخول مكة. قام القاضي بزيارة خورنيه في مسكنه، وسجل إشهار الإسلام، وتسمى كريستيان يومها بعبدالغفار.
وواصلت الدارة أن المستشرق الهولندي هورخرونيه دخل مكة ومكث بها، في سوق الليل خمسة أشهر، مدعيًا دراسة الإسلام واللغة العربية، حيث درس على أيدي علماء مكة وبقي في مكة حتى أغسطس 1885م، وجمع الكثير من المعلومات خلال إقامته بمكة وألف بعد ذلك كتابًا سماه "صفحات من تاريخ مكة" كتبه باللغة الألمانية وعلل ذلك بأنها مقروءة ومشهورة، حيث تناول في الجزء الأول التاريخ السياسي لمكة المكرمة خلال تلك المدة، وتناول الجزء الثاني الأوضاع الاجتماعية لمكة المكرمة في المدة التي أقام بها.
وأشارت إلى أن هورخرونيه استفاد من رحلته إلى مكة بأن تعرف خلال هذه المدة على عدد من الشخصيات في مكة وبخاصة الذين تعود أصولهم إلى الجزر الإندونيسية، كما أقام علاقات ومعارف مع أعيان المجتمع المكي، وقد نشر باللغة الألمانية مجلدين صدرا عام 1888 و 1889م بعنوان "مكة" مع أطلس مصور، ويتحدث الجزء الأول عن مكة المكرمة وحكامها، والثاني عن الحياة اليومية والعادات والسكان والتعليم بمكة المكرمة، وبعد صدور المجلد الثاني بقليل تسلم سنوك مجموعة من الصور الفوتوغرافية من مكة المكرمة، فسارع بنشرها في العام نفسه 1889م تحت عنوان "صور من مكة المكرمة مع شرح مختصر"