المؤرخ الرويس الذي لم يحبه " الطب" ولم يحب" الهندسة " في (جلسة تاريخية)

المؤرخ الرويس الذي لم يحبه " الطب" ولم يحب" الهندسة " في (جلسة تاريخية) :

 

الملك عبدالعزيز هو عز العرب ورجلهم النبيل الأول رغمًا عن أنوف بعضهم.



دافع الباحث والمؤرخ المعروف الأستاذ قاسم الرويس أمام مايكروفون بودكاست (جلسة تاريخية) عن أهمية الرواية الشفهية في تدوين التاريخ الوطني، بالرغم من وجود مثالب لها مثل الحساسية السياسية والدينية والاجتماعية التي تمنع من تحرر الذاكرة، وإكمال قصة الحدث، والعاطفة بتحيزها لذي الصلة والنسب، وتآكل مصادرها البشرية مع مرور الوقت بفعل النسيان أو ضعف التذكر، وأسماها الضيف (خيانة الذاكرة). 

وأشار الأستاذ الرويس في مقابلته مع مقدم البودكاست أ.د طلال الطريفي في جواب له عن تضارب الروايات للحدث الواحد وبالتالي ضعف دورها التدويني في ظل الحالة الأكاديمية المسيطرة على الحركة البحثية التي تعتمد على التحليل، أشار الرويس إلى أن الرواية الشفهية تسد ثغرات في النصوص المكتوبة، وبالتالي لا غنى عنها، كما أن كثيرًا من نصوص الوثائق تعتمد على معلومات متناقلَة من شخص إلى شخص، وفي هذه النصوص ذكرٌ صريح لهذا التناقل والسند. واستند الأستاذ الرويس في دعم أهمية الذاكرة والمروي منها على ما رواه الملك عبدالعزيز - رحمه الله- بلسانه عن استرداد الرياض، ودونها أمين الريحاني ثم فؤاد حمزة ثم صارت هذه المروية الملكية نصًّا مكتوبًا أساسه الذاكرة.

وقال الرويس: إن الرواية الشفهية الصادقة تكون (عن المسكوت عنه) فإن رويت فإنها قد تكون بقوة النص التاريخي المكتوب، داعيًا إلى التخلص من الحساسية سواء من الراوي أو الموثق للوصول إلى سقف حرية أرفع، موجهًا الأنظار بهذا الخصوص إلى معارك توحيد المملكة العربية السعودية، ومطالبًا المؤرخ بتحقيق وتمحيص وتحليل الروايات المختلفة والمتخالفة، للوصول إلى رواية أكثر دقة للحدث محل الإشكال العاطفي.

وحين سأله مقدم البرنامج أ.د الطريفي بمهنية جمعت الإعلام بالبحث العلمي عن ضرورة تنقية المُدوَّن التاريخي من التراث والأسطورة لتحقيق المصداقية، دافع الضيف بأن التراث بما فيه من الأمثال الشعبية، والشعر الشعبي، والقصص العابرة نستطيع التوثيق من خلالها للتاريخ، إلا أن المتشددين في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم رفضوا منذ البداية الاعتماد عليها لمجرد نصرة اللغة، ولو كان الضحية التاريخ، وهذا فوّت كثيرًا من المصادر في ذلك الوقت.

ورأى المؤرخ الرويس أن الأسطورة مرتبطة بالمقدس في الغرب لردم بعض النقص في المعلومات، وبالتالي هي غير موجودة لدينا نحن المسلمين، في إشارة منه إلى ضعف دورها في التدوين.

وفي سؤال مهم للبودكاست عن الفرق بين السير الشخصية والمذكرات والرواية الشفهية لكونها متداخلة في المنهج والمنتج، قال المؤرخ قاسم الرويس: إن كل الثلاثة هي رواية شفهية في الأصل؛ فالمذكرات واليوميات كتابة وتحرير في زمن الحدث وبعاطفة كاتبها في حينها، بينما السيرة الشخصية كتابة وتحرير بطلُ أحداثها المؤلف ولكن بعاطفة (الآن)، لذا تكون المذكرات أقوى وأهم.

ودعا الرويس من خلال (جلسة تاريخية) إلى ضرورة كتابة مسؤولي الدولة وكبار موظفي الحكومة سيرهم الشخصية، والتحرر في كتابتها من الحساسية والخصوصية إلى كتابة الأحداث التي هو شاهد عيان لها، أو مشارك فيها من خلال منصبه حتى يخدم بذلك مكتبة التاريخ الوطني.

وحول ما طرحه أ.د الطريفي حول المقارنة بين راوية القبيلة وراوية وسائل التواصل الاجتماعي الواسعة والسريعة الانتشار بعدما دخلت التقنية في كل المسارات وبخاصة المسار التاريخي، علل المؤرخ الرويس ذلك بأن الرواة الإلكترونيين يهمهم جلب أكبر عدد ممكن من المتابعين وبالتالي فإن الغالبية العظمى منهم يُخلصون لطريقة العرض أكثر من صدقية المعلومات، ما جعل العاطفة تتسيد المشهد، فهم يروون التاريخ لخدمة القبيلة وتاريخها أكثر من التاريخ نفسه، وهؤلاء يقابلون بقبول واسع وسريع بسبب انخفاض مستوى قراءة الكتاب، مع معطيات السرعة العصرية التي تجعل الإنسان يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، وسماع مقاطع سريعة معطوبة أو مغلوطة، والأخطر أن هذا المستمع ينقلها للآخرين، وضم أ.د الطريفي صوته لصوت الضيف بأن الأكاديمي بالعموم مصاب بالكسل باتجاه تحويل التاريخ إلى صيغ إعلامية سهلة وعميقة، تطرد المبالغات والأغلاط في المشافهة الإلكترونية.

واتفق ا.د الطريفي وضيفه على ضرورة التصدي لمنهج ابن خلدون المتخاذل تجاه الشخصية العربية، وشق كيانها الواحد إلى أهل البادية وأهل الحاضرة، فهو غير معفي من النقد العلمي العميق بالرغم من ريادته لعلم الاجتماع، كما اتفق الاثنان على أن أصل العرب ظهر في الجزيرة العربية، وتلك حقيقة دامغة برغم أصوات النشاز التي تحاول سلب هذه الهوية المتجذرة من سكان الجزيرة العربية في محاولة فاشلة أمام كل المصادر التاريخية.

وفي سياق العروبة وعند الحديث عن مستشار الملك عبدالعزيز يوسف ياسين الذي أعد مذكراته للنشر الرويس وتركت صدى واسعًا، قال الرويس إن ياسين ممن انخدعوا في البداية بشعارات العروبة الفارغة والهشة مثله مثل خير الدين الزركلي ورشيد الكيلاني وغيرهم، ووجدوا أنفسهم صيدًا للبريطانيين والفرنسيين، لولا الله ثم ظهور الملك عبدالعزيز الذي هو (عِزْ العرب) و(أعز العروبة) بقيمه ومبادئه الأصيلة، وليس اعتمادًا على شعارات خاوية ذات مغزى سياسي محدود وهدف محدود، فكان مآلاً وملاذًا لكل العرب ممن ضاقت بهم بلدانهم وخابت أمانيهم في عروبة صادقة، فوجدوا في المملكة العربية السعودية وملكها ظلًّا آمنًا وحقيقيًّا لتحقيق عروبتهم. وإن الملك عبدالعزيز لديه مشروع عروبي حقيقي وواقعي،  ويكفي - حسب الرويس- أن مستشاري الملك عبدالعزيز يمثلون جامعة عربية؛ فهذا المستشار من مصر، وهذا من لبنان، وذلك من فلسطين، وآخر من العراق، وذاك من ليبيا؛ بل كان ينصبهم المناصب العالية مثلهم مثل المواطن السعودي، وهذه هي العروبة في أوج معانيها.

قاسم الرويس الحاصل على شهادة الدراسات الإسلامية بعد أن لم يحبه "الطب" ولم يحب "الهندسة"، وتفرغ للبحث التاريخي، دافع عن كتاباته في ثنايا كتبه عن الجن  بأنها "تأريخ" للموروث الشعبي في الجزيرة العربية منذ العصور القديمة وحتى اليوم الذي يلجأ للجن حين لا يفهم المسألة أو الحدث، واستدل بقرناء الشعراء الجاهليين، ووادي عبقر في الذاكرة القديمة، وأكد على أن تضميناته لقصص الجن ليس  لها علاقة بالتاريخ لأنه لا يمكن التحقق منها.​