امتدادًا لعنايتها بمكتبة المسجد النبوي الشريف وما تحويه من نفائس علمية نادرة وتاريخ عريق، أصدرت دارة الملك عبدالعزيز مؤخرًا إصدارًا فاخرًا ومتميزًا باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان (مكتبة المسجد النبوي الشريف: تاريخ ونوادر)، يرصد جانبًا من من نوادر المخطوطات في المكتبة، من المصاحف، وكتب علوم القرآن، والسنة وعلومها، والفقه وأصوله، وعلوم اللغة العربية، وفنون أخرى متنوعة، ويقدم الكتاب إحصائيات دالة لمكتبات المدينة المنورة في عصور مختلفة، ولمحة تاريخية من أخبار تلك المكتبات على مدى القرون، وجانبًا من العناية بمكتبة المسجد النبوي في عهد المملكة العربية السعودية، وجاءت لغة الصورة في هذا الكتاب عالية زاخرة بالعبق التاريخي التوثيقي، لتأخذ بيد القارئ ليبحر في الزمان، ويعيش في مادة الكتاب عن قرب.
تدوين الكتاب الأول:
وبدأ الكتاب بمقدمة للدارة، تلتها مقدمة لمعالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، لينطلق القارئ بعدها في متعة بصرية تعتمد على الصورة وجمالياتها، وعلى المعلومة بتفصيلاتها، حيث يتعرف على منطلق المعرفة والعاصمة الإسلامية الأولى المدينة المنورة مدينة تدوين الوحيين الشريفين، والتي ظهر فيها أول كتاب عرفته الحضارة الإسلامية وهو القرآن الكريم، الذي دوِّن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - متفرقًا ومكتوبًا على الرقاع والعسب والعظام واللخاف (الحجارة الرقاق)، ومحفوظًا في صدور الرجال، ليجري بعد العهد النبوي جمعه وتدوينه في عهد الخلفاء الراشدين، والذين بدأ في عهدهم كذلك إيداع المصاحف في المسجد النبوي واستمرت هذه العادة بعدهم، وتتابع الخلفاء والوجهاء وسائر الناس في العهد الأموي والعباسي على إهداء المصاحف وإيداعها ابتغاء الأجر من الله، وكانت بداية ونواة لنشأة مكتبة المسجد النبوي، يضاف إلى ذلك تدوين السنة النبوية الذي كانت بداياته في عهد الصحابة، فقد كان لبعضهم صحف مدون فيها عدد من الأحاديث، ومنهم علي بن أبي طالب، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وغيرهما.
نشأة مكتبات المدينة:
ينتقل الكتاب -الذي نشر بالتعاون مع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي- لاستعراض نشأة مكتبات المدينة المنورة، حيث يعتقد أن أول مكتبة عربية إسلامية هي مكتبة التابعي محمد بن جبير بن مطعم، وكانت متاحة للعامة ولها أمين للمكتبة، كذلك كان من أوائل المكتبات المدنية مكتبة الإمام مالك بن أنس، ليتابع الكتاب ذكر المكتبات التي أنشئت في المدينة على مدى القرون وصولًا إلى القرن الرابع عشر الهجري، كما يتطرق إلى العادات المتبعة في قراءة المصاحف وكيفية حفظها واستعارتها من خزائن المسجد النبوي، وذلك من القرن الحادي عشر حتى القرن الرابع عشر، ثم يتطرق بعد ذلك إلى المصاحف المنقولة من الحجرة النبوية بالمسجد النبوي الشريف إلى إسطنبول، حيث سجلت تقارير عثمانية محاضر الحصر والتسليم والنقل لأمانات الحجرة النبوية ومقتنياتها في أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد نقلت إلى إسطنبول ولم ترجع، ليعرض تاليًا إحصائيات مكتبات المدينة المنورة في "سالنامة الحجاز"، وهو تقرير دوري سنوي لبعض المدن والأقاليم التابعة للدولة العثمانية ويكتب بلغتها، حيث بلغ عدد المكتبات في إحصائية سنة 1301هـ (1884م) ثماني عشرة مكتبة تحتوي على (18707) كتب، كما يعرض إحصائيات تلك المكتبات في كتاب مرآة الحرمين لمؤلفه أيوب صبري باشا، وأبرز الكتاب أيضًا تقرير مجلة الجمعية الشرقية الألمانية عن مكتبات المدينة المنورة في تقرير نشره المؤرخ الألماني (سيبس) باللغة الألمانية في سنة 1354هـ (1936م)، كما نشر الكتاب صورة لخريطة تفصيلية لمكتبات المدينة في القرن الرابع عشر الهجري، ليعرج بعد ذلك إلى تقارير المؤرخ أحمد ياسين الخياري خبير المخطوطات، وأول مدير لمكتبة الحرم المدني، وهي تقارير رفعها للمسؤولين تطرق فيها لمكتبات المدينة المنورة وتتبع أخبارها.
العهد السعودي:
ينتقل الكتاب إلى ذكر مكتبة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي، حيث يستذكر بالمعلومات والصور إعادة تأسيس المكتبة في هذا العهد المبارك، في عام 1352هـ (1933م)، وفي عام 1391هـ (1972م) قام الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز -رحمه الله- بافتتاح مكتبة المصحف الشريف، كما وضع الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- حجر الأساس لمشروع مبنى موجودات الحجرة النبوية الشريفة ومكتبة الحرم النبوي الشريف في عام 1411هـ (1990م)، ناشرًا التقرير السنوي الأول لمكتبة المسجد في عام 1359هـ، كما عرض الكتاب كلمات بخط خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (أمير منطقة الرياض حينها) لدى زيارته المكتبة في 10/10/1405هـ سجلها في سجل التشريفات للمكتبة، وهو ما يظهر بشكل جلي ما تلقاه المكتبة من دعم واهتمام وعناية من قبل ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية، استشعارًا منهم بالأهمية التي تشكلها، وبالقيمة المادية والمعنوية لها، وهو ما كان بارزًا في أخبار الصحف المنشورة عن المكتبة والتي استعرضها الكتاب.
محتويات المكتبة:
في ختام الكتاب يجري استعراض مفصل لأهم المخطوطات الموجودة بالمكتبة، وذلك بعرض صور للمخطوطة مع شرح مختصر عنها باللغتين العربية والإنجليزية، وتشمل تلك المخطوطات المصحف الشريف، والقرآن وعلومه، والسنة وعلومها، والفقه وأصوله، واللغة العربية وعلومها، إضافة إلى مخطوطات متنوعة الفنون.