لقاء عن مكة في وجدان الملك عبدالعزيز وأبنائه

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

وبدأ اللقاء الذي عقد باستخدام برنامج التواصل عن بعد (ZOOM) بحديث للدكتور منسي تطرق فيه إلى اهتمام الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بتلك المدينة المقدسة وأهلها؛ ذلك الاهتمام الذي تجلى في كتاب أرسله قبيل دخوله مكة المكرمة إلى سكانها والذي تضمن عهد الله وميثاقه أن يحافظ على أموالهم ودمائهم وأن يُحترموا بحرمة بيت الله، وأن يبذل جهده في تأمين الحرم الشريف وسكانه وطرقه للوافدين إليه.

ثم ألقت الأستاذة الدكتورة أمير المداح معلومات مختصرة في فضائل مكة المكرمة وعلاقتها بالوجدان العربي والإسلامي، لينتقل بعد ذلك محور اللقاء إلى الجانب السياسي لشخصية الملك عبدالعزيز الذي أكد فيه الدكتور عبدالله منسي أن الملك المؤسس كان متعدد المواهب والصفات التي مكنته من أن يوحد بلدانًا وقبائلًا وشعوبًا وأن ينشر الأمن والاستقرار في منطقة شاسعة، واسترسل في ذكر الصفات والخصال التي ميزته كالإيمان الراسخ والصبر والإنسانية والرحمة والعفو والكرم، واستشهد في هذا بما كتبه المؤرخ النمساوي فون دايزل.

آلت بعد ذلك مجريات اللقاء إلى الجانب الاجتماعي والديني في شخصية الملك عبدالعزيز حيث أشارت الدكتورة أميرة إلى العبقرية في كل جوانب حياة المؤسس؛ مستشهدة بمقولة المفكر المصري الشهير عباس محمود العقاد: " ابن سعود، من أولئك الزعماء الذين يراهم المتفرِّسون المتوسمون فلا يحارون في أسباب زعامتهم ولا يجدون أنفسهم مضطرين أن يسألوا لماذا كان هؤلاء زعماء، لأن الإيمان باستحقاق هؤلاء لمنزلة الزعامة في أقوامهم أسهل كثيراً من الشك في ذلك الاستحقاق"، كما استشهدت برواية عن الملك فيصل في ذكر الخصال الحميدة التي رآها في والده، وذكر فيها وصاياه القيمة التي قالها له في شؤون الحكم والرعية، وأوردت أيضًا حديثًا لصاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبدالعزيز يبرز عدل الملك عبدالعزيز ومساواته لأبنائه بباقي رعاياه، لتطنب بعد ذلك في سرد العديد من الفضائل الدينية والاجتماعية له -يرحمه الله-.

بعدها نقل مدير اللقاء الحديث إلى الإجابة عن سؤال؛ كيف استطاع الملك عبدالعزيز أن يأسر قلوب معاصريه، ساردًا قصة زيارة الملك عبدالعزيز إلى مصر التي صاحبها استقبال جماهيري شعبي حاشد تميز بالعفوية، جعلت الشاعر السعودي أحمد بن إبراهيم الغزاوي يقول البيت التالي:

وأخشى الذي أخشاه من مصر أنها

تشاركنا فيك الهوى فنضيع

ثم نقل بعدها الحديث إلى الدكتور عبدالله منسي ليتطرق إلى تعامل الملك عبدالعزيز مع أهل مكة حين دخلها معتمرًا، حيث توافد عليه سكان البلد الحرام مرحبين بقدومه ومبايعين له، وخطب فيهم واعدًا بتحقيق العدالة والشريعة في مهبط الوحي وقبلة الأرض، ثم عاد منسي بالحديث إلى الفترة التي سبقت دخوله للبلد مستكملًا حديثه الذي بدأه في أول اللقاء عن كتاب الملك إلى أهل مكة المكرمة وجدة الذي طمأنهم فيه على دمائهم وأموالهم وضمان احترامهم وفق الشريعة والنظام.

وعن بيعة أهل مكة المكرمة للملك عبدالعزيز قالت الأستاذة الدكتورة أميرة المداح أنه بعد دخول المؤسس للحجاز وطمأنته للأهالي، نودي بالملك عبدالعزيز ملكًا على الحجاز في 25 جمادى الآخر 1344هـ، وتلقى البيعة من أعيان الحجاز وأعضاء المجلس الأهلي بمكة المكرمة، وطلب منهم تقرير ما يرونه نافعًا للبلاد، مشيرة إلى صيغة البيعة هي: "نبايعك يا عظمة السلطان عبدالعزيز يا ابن عبدالرحمن الفيصل السعودي على أن تكون ملكًا على الحجاز وأن يكون العمل على كتاب الله وسنة رسوله وما عليه الصحابة والسلف الصالح والأئمة الأربعة"، وبذلك أصبح المسمى الرسمي للمؤسس حينها هو (ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها)، ثم تطرقت المُحاضرة إلى مسألة إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ (1932م) التي تمت برغبة شعبية عارمة في جمع أشتات الوطن تحت مسمى واحد، وأقيمت بهذه المناسبة الاحتفالات في أرجاء الوطن كله.

بعد ذلك تحدث الدكتور عبدالله منسي عن اهتمامات الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده بمكة المكرمة وبالمسجد الحرام والمشاعر المقدسة، وأشار إلى أنه -رحمه الله- قد بادر منذ دخوله مكة المكرمة إلى عمارة الحرمين الشريفين وخدمة قاصيدهما، ومن ذلك أنه أمر بترميم المسجد الحرام ترميمًا كاملًا مع ترخيمه في سنة 1344هـ ووضع السرادقات في صحن المسجد للوقاية من أشعة الشمس، وأصلح مظلة إبراهيم، وقبة زمزم، وشاذروان الكعبة المشرفة، كما أمر 1346هـ بإنشاء أول مصنع لكسوة الكعبة في مكة المكرمة، كما أمر بتبليط المسعى بالحجر الصوان المربع لأول مرة في التاريخ، ووجه كذلك بتوسعته، وإنشاء سبيلين لماء زمزم وتجديد السبيل القديم، وإصلاح الحجر المفروش بالمطاف والأروقة، وفي 1354هـ أمر بإزالة الحصباء القديمة واستبدالها بجديدة، وفي 1366هـ أمر بتجديد سقف المسعى، ووجه بعمل باب جديد للكعبة مبطن بصفائح من الفضة الخالصة، واستعرض د. منسي كذلك جهوده رحمه الله في تأمين مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وطرق الحج والعمرة، وما بذله في تأمين الراحة وتسهيل الإقامة والتنقل بين المشاعر لضيوف الرحمن، ووجه بتشييد الفنادق التي افتتح أول واحد منها في عام 1351هـ (1932م)، 1373هـ أصبحت شوارع مكة المكرمة مضاءة لأول مرة بالكهرباء، ثم استعرض استمرار تلك الجهود لدى الملوك من أبناء الملك عبدالعزيز وأورد العديد من المشاريع التي أنجزوها في سِنِيِّ حكمهم إلى وقتنا الحالي في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-.

انتقل اللقاء بعدها إلى ذكر التطور العمراني في المشاعر المقدسة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز حيث أشارت الدكتورة أميرة المداح إلى أن تلك المشاعر كان لها حظًا وفيرًا من اهتمام الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك من بعده، وذلك بعد التزايد المطَّرد في أعداد الحجاج عامًا بعد عام، ومن ذلك تطوير الجمرات بتوسيع المنطقة المحيطة بها وبناء جسر على الجمرات الثلاث وإطالة العلم المنصوب على كل جمرة لتسهيل الرؤية عن بعد، مع تطوير الحوض، كما تطرقت لمسألة الطرق في المشاعر ذاكرة أنه في عام 1346هـ أمر الملك عبدالعزيز بفتح أربعة شوارع في منى لاستيعاب الازدحام، وأن هذا المشروع بداية مشاريع الطرق الضخمة التي نشهدها اليوم في المشاعر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأشارت د. المداح إلى مشاريع تطوير وترميم المساجد التاريخية في المشاعر كمسجد الخيف بمنى، ومسجد نمرة بعرفات، ومسجد المشعر الحرام بمزدلفة، وتطرقت الباحثة كذلك لمسألة تأمين المياه وتوفير خدمة الصرف الصحي في المشاعر، مشيرة إلى مشاريع المياه التي عمل عليها الملك عبدالعزيز في عين زبيدة وعين العزيزية وعين الزعفران، فيما يسمى (تعميم المياه في منى وعرفات)، تلك المشاريع التي استمرت في التطور عامًا بعد عامًا ولا زالت تستمر بكل جدٍّ وإخلاص وتفانٍ من قبل الحكومة السعودية الرشيدة.