احتفاءً بيوم الأرشيف العالمي .. مركز التاريخ الشفوي ربع قرن من العطاء

يتبوأ الأرشيف منزلة غاية في الأهمية لدى الأمم والشعوب المتحضرة، وتحرص دول العالم على إنشائه، وتطويره، وتوسيع نشاطه، ودعمه بالتقنيات الحديثة لاحتوائه على معلومات موثقة يمكن الاعتماد عليها عند التعامل مع تاريخ تلك الدول وحاضرها، إضافة إلى كونه قاعدة لاستشراف المستقبل، كما تكوِّن البيانات والمعلومات التي تحتويها الأرشيفات كنزًا معرفيًّا قيمًا، حيث يمكن أن نعدّه ذاكرة حاضرة لاستجلاء ملابسات ما وقع على الأمم من أحداث بما يكفل حقوق الأفراد والدول والشعوب.
ولهذه الأهمية يحتفي العالم سنويًّا في التاسع من يونيو باليوم العالمي للأرشيف، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) من خلال (المجلس الدولي للأرشيف) الذي تشارك الدارة في عضويته لكونها إحدى المؤسسات المعتبرة التي تولي أرشفة المصادر التاريخية جلَّ عنايتها واهتمامها بمعايير عالمية، وذلك نظرًا لامتلاكها أشكالًا عديدة من المصادر التاريخية سواءً الورقية أو الفوتوغرافية أو الفيلمية أو الصوتية.
فالدارة تضم مركزًا للوثائق التاريخية يحتوي على الوثائق الورقية المحلية والعالمية ذات الصلة بالتاريخ الوطني وتاريخ الجزيرة العربية والتاريخ العربي والإسلامي، وتحتوي كذلك على مركز متقدم للمخطوطات يحتفظ بمآثر فكرية سعودية وعربية وإسلامية رائدة، وأرشيف متكامل للصور والأفلام التاريخية، تشكل كلها قاعدة معلوماتية لا غنى لأي باحث أو متخصص عن الرجوع إليها والاستفادة منها في جميع الدراسات التي تعتمد على المواد الأرشيفية.
وتتفرد الدارة بإنشاء أرشيف خاص لحفظ التاريخ الشفوي مبكرًا، وهو مركز التاريخ الشفوي الذي أنشئ في عام 1416هـ (1997م) بهدف تحرير الذاكرة الشعبية، ونال في وقت قصير عضوية جمعية التاريخ الشفوي الأمريكية، وجمعية التاريخ الشفوي البريطانية، ليزيد الباحثين اطلاعًا شاملاً على الوقائع والقيم الإنسانية، مكملاً بذلك لما ترشح به المصادر التاريخية الأخرى، كما يمنح الدارسين الفرصة للتقصي في موضوعات اجتماعية كان التاريخ المدّون بعيدًا عنها بسبب أولويات الرصد والبحث العلميين آنذاك مثل: فنون وإجراءات الزراعة وتوقيتاتها، والحِرف، والسفر والتنقل، والأمومة والطفولة، والشؤون الصحية، وغيرها مما شحّت به المصادر التاريخية الورقية التي تحرص على القضايا السياسية والعسكرية في الأغلب.



واستطاع المركز منذ إنشائه تطبيق أسس ومعايير المراكز العالمية المماثلة، سواء من حيث التزود بالأجهزة التقنية اللازمة لإجراء المقابلات، والتسجيل الصوتي والتصوير الثابت والمتحرك، والأرشفة، والحفظ، والتدوين، أو من حيث تحقيق الشروط اللازمة لإجراء المقابلات الشفوية كجمع المعلومات اللازمة للمقابلة، وإعداد أسئلتها، وتهيئة المكان المناسب لإجرائها، وغير ذلك من المتطلبات، واستطاع بفضل تطويره المستمر وتغذيته الدائمة بالمقابلات مع الجنسين من تحقيق كثير من أهدافه، فقد استطاع أن يوثق بالصوت والصورة عددا من اللقاءات في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية ضمن مشروع الدارة (مسح المصادر التاريخية) ضمن هدف المركز الإستراتيجي بإجراء مسح للمصادر الشفوية وتسجيل روايات كبار السن وشهود العيان والمعاصرين، مما جعل منه أيضًا مخزنًا للهجات المحلية واللغة السيميائية ومصدرًا لدراساتهما، فحِفظُ تلك المواد المسجلة وفهرستها ورقمنتها وإتاحتها، مع التدريب المهني للموظفين والمهتمين على طرق التوثيق الشفوي ومنهجيته، والتوعية المستمرة بأهميته بصفته رافدًا للمصادر التاريخية الأخرى، كما نشرت الدارة الأعمال المتعلقة بهذا النوع من التأريخ وترجمتها، ودعمت إصداراتها بمعلومات من تلك المراجع الصوتية.
وخلال عمر المركز الممتد لربع قرن وصلت المحصلة الحالية للمقابلات المتوفرة في المركز إلى ما يناهز سبعة آلاف مقابلة شفوية، وتصنيفها برقم خاص ضمن قائمة التصنيف والفهرسة المعتمدة في المركز، ومن ثم تفريغها من مادة مسموعة إلى مادة مقروءة وأرشفتها، كما يطبع المركز المقابلات ويدرجها في قاعدة بيانات الحاسب الآلي الخاص به، لتتاح بعد ذلك للباحثين فرصة الاستماع للمقابلات والاطلاع عليها مكتوبة كذلك، مما يشكل قيمة مضافة إلى حركة البحث العلمي والتصنيف والأرشفة، ورافدًا لتحقيق تطلعات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز حفظهما الله، ومنارةً علمية مضيئة لخدمة العلم والمعرفة على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية كافة.